سلسلة اللؤلؤ والمرجان من سيرة خير الأنام
الجزء الثالث:
البشارة بسيدنا محمد ﷺ في التوراة….من هو شخص الـ”شيلون أو شيلوه” الذي بشر به النبي يعقوب في سفر التكوين؟
عندما كان يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام) على فراش الموت، بعد أن بلغ السابعة والأربعين بعد المائة من عمره دعا أولاده الاثني عشر إليه مع أسرهم، وبارك كلًا منهم، وتنبأ لكل منهم بمستقبل قبيلته وأوصاه، وهذا ما يعرف عادةً (بعهد يعقوب)، وهو مكتوب بالعبرية.
ومن نبوءات يعقوب عليه السلام تلك لأولاده، والتي تتعلق بالبشارات بسيدنا محمد، النبوءة الشهيرة التي وردت في سفر التكوين، وهي كما يلي: (لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ – أي الصولجان – مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ – أي التشريع – مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ – أو شيلوه – وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ){التكوين49: 10}. هذه هي الترجمة الحرفية للنص العبري، وكلمة شيلون أو شيلوه في النص فريده لا تتكرر في أي مكان آخر من العهد القديم أو(التناخ)، وقد احتفظت جميع تراجم العهد القديم بكلمة (شيلون أو شيلوه) كما هي دون ترجمة أو شرح، عدا الترجمة السريانية المسماه البشيتا Peshitta، فقد ترجمت الكلمة إلى (الشخص الذي يخصه)، أي الشخص الذي يخصه الصولجان والتشريع.
ويمكن أن نتأكد من تحقق نبوءة يعقوب هذه حرفيًا في (محمد) ﷺ من الحجج التالية:
1– هناك إجماع بين المفسرين لتلك النصوص أن التعبيرين المجازيين: (الصولجان) و(التشريع) معناهما (السلطة الدنيوية) و(النبوءة) على التوالي. والترجمة السريانية للكتاب المقدس (البشيتا Peshitta) ترجمت كلمة (شيلون أو شيلوه) إلى (الشخص الذي يخصه الصولجان والتشريع)، وهو الذي يمتلك السلطة وحق التشريع وتخضع له الأمم.
فمن يكون هذا السلطان والمشرّع العظيم؟
قطعاً ليس موسى؛ لأنه كان أول منظم لقبائل إسرائيل الاثني عشر، ولم يأت قبله أي ملك أو نبي من سبط يهوذا أصلًا، وحتمًا ليس داود؛ لأنه كان أول ملك ونبي من نسل يهوذا نفسه، كما أنه ليس عيسى المسيح؛ لأنه أعلن بنفسه أن المسيح الذي ينتظره إسرائيل لن يكون من نسل داود (متّى22/ 44 – 45، مرقس 12/ 35 – 37، لوقا 20/ 41 – 44)، أضف إلى ذلك أن عيسى لم يترك تشريعًا مكتوبًا، ولم يفكر بسلطان دنيوي قط، وعلى العكس فقد نصح اليهود أن يخلصوا لقيصر ويدفعوا له الضريبة، كما أنه لم يبطل شريعة موسى، بل أعلن صراحة أنه قدِم لتحقيقها.
غير أن محمد ﷺ جاء بالسلطة الدنيوية وبالقرآن يحلان محل (القضيب) أو (الصولجان) اليهودي المهترئ والشريعة البالية غير العملية والكهنوت الفاسد، حيث أن دين محمد ﷺ أنقى الأديان وتوحيد الإله الحق، ووضع أفضل القواعد العملية لأخلاق وسلوك البشر، ووحّد محمد ﷺ بالإسلام أممًا من كل الأجناس لا تشرك بالله شيئًا، تطيع الرسول وتحبه وتحترمه، ولكنها لا تعبده ولا تقدسه ولا تجعله إلهًا، كما أن محمدًا ﷺ قد سحق آخر معاقل اليهود في قريظة وخيبر، ووضع نهاية لنفوذهم.
2– إن المعنى الثاني لكلمة (شيلون أو شيلوهShiloh) ينصب أيضًا لصالح محمد، وهو يعني الهادئ المسالم الأمين الوديع رجل السلام، وهنالك صيغة آرامية لهذا المعنى هي “شيليا” من الجذر “شلا” وهو غير موجود في العربية، ومن الحقائق المعروفة جيدًا في تاريخ نبي بلاد العرب أنه كان قبل البعثة كثير الهدوء والمسالمة ومحلاً للثقة، مما جعل أهل مكة يسمونه (محمد الأمين)، وعندما خلع عليه أهل مكة هذا اللقب لم تكن لديهم أدنى فكرة عن (شايلوه) بهذا المعنى، ومن الإعجاز أن الرسالة نزلت على العرب الوثنيين الأميين، لكي يواجهوا بها اليهود المتعلمين، الذين كان لديهم كتابات مقدسة يعرفون محتوياتها تمامًا.
3– هناك معنى آخر لاسم (شيلوهShiloh)، فيمكن ملاحظة أن هذا الاسم قد يكون تحريفًا لـ (شلواحShaluah)، وفي تلك الحالة فإنه يتطابق مع لقب النبي العربي الذي يتكرر كثيراً في القرآن، وهو (الرسول) الذي يعني بالضبط ما تعنيه (شلواح) أي رسول، وأن (شلواح إلوهيم) بالعبرية تعني (رسول الله)، وهو ما يتكرر في نداء المؤذن خمس مرات كل يوم عندما ينادي للصلاة من جميع مآذن العالم، وإن كلمة “رسول” وردت مراراً في القرآن الكريم، ولكن لا نجدها في العهد القديم إلا مرة واحدة بصيغة (شايلوه أو شلواح) عند ذكر عهد يعقوب.
4- من الواضح من النبؤة أن السلطة والتشريع سيظلان في سبط يهوذا طالما أن شيلوه لم يظهر، وبما أن اليهود يدّعون أن شيلوه لم يظهر حتى الآن، فيفترض أن تكون كلاً من السلطة الدنيوية والنبوة موجودتين لدى سبط يهوذا، في حين أنهما انقرضتا منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، إذ بظهوره انتقلت النبوة من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل.
5– كما يلاحظ أن قبيلة (سبط) يهوذا انقرضت ومعها السلطة الدنيوية والنبوة، فالقبيلة لم يعد لها وجود ككيان بارز مستقل يقطن بمجموعه في مكان محدد، وقد يستطيع اليهودي أن يعرّف نفسه بأنه إسرائيلي، ولكن لا يستطيع أن يدّعي أنه ينتسب لقبيلة أو أخرى من القبائل الاثني عشر، فاليهود إذا مضطرون أن يقبلوا واحدًا من خيارين: إما التسليم بأن شيلوه قد جاء من قبل دون أن يعترف عليه أجدادهم، أو الإقرار أن قبيلة يهوذا التي يعتقدون أن شيلوه سينحدر منها لم تعد موجودة.
6– إن نبوءة يعقوب تعني بصورة واضحة (ومعاكسة تمامًا للاعتقاد المسيحي اليهودي)، إن (شيلوه) يجب أن يكون غريبًا تمامًا عن قبيلة يهوذا، بل عن جميع قبائل بني إسرائيل الاثني عشر، إذ تقول النبوءة بوضوح أنه عندما يجيء (شيلوه) فإن السلطة والتشريع يختفيان من سلالة يهوذا، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كان (شيلوه) غريبًا عن سلالة يهوذا، إذ لو كان (شيلوه) منحدرًا من يهوذا فكيف يمكن أن ينقطع هذان الأمران من سلالته؟ كما لا يمكن أن يكون (شيلوه) منحدرًا من قبيلة أخرى من سلالة يعقوب، لأن الصولجان والتشريع كانا لصالح بني إسرائيل ككل، وليس لمصلحة قبيلة واحدة، وهذه الملاحظة تنسف الادعاء المسيحي أيضًا، لأن عيسى منحدر من سلالة يهوذا من ناحية أمه كما يقولون…
وفي الختام نسألكم الدعاء…بقلم د/صابر البلتاجي.