افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الرابع ..عالمٌ جديد … وحربٌ دمويّة

وقفنا في المقال الأخير –عزيزي القارئ –عند حال الحضارات والأمم في التاريخ ، وقلنا أن أفول نجم ِحضارة ما ، يؤذِن ببزوغ نجم حضارة ٍأخرى تسود العالم وتقوده وفق رؤيتها وأيدولوجيّتها الخاصة .

 لم يعلم كولومبوس عند اكتشافه لأمريكا عام 1492م ،أن اكتشافه هذا بدايةٌ لتحوّل كبير في مجريات الأحداث في العالم بعد ذلك ، وأن الأرض الجديدة التي بالكاد وطئها ستصبح مركزاً لصنع القرار السياسي على هذه المعمورة ، وهي التي على مدار ما يزيد على الألف عام لم تعرف غير المسلمين حكّاماً لها الّذين بسطوا نفوذهم في أصقاع الأرض كافة ،

 بالطبع تغيّر كهذا بحاجة إلى مراحل من البناء الذي سبقه هدم ٌ كبير، كما سأروي لكم في السطور القادمة .

 استمرت سفن كولومبوس بالمسير خلال الماء والماء فقط ، لا شيء سوى الماء أمامهم ، البحّارة يفقدون صوابهم ، والتّذمّر سيد الموقف على السفن الثلاثة ، فما كان من كولومبوس إلا أن أعلن عن مكافأة مادية لأوّل شخص يرى اليابسة ، وعندما حانت تلك اللّحظة وجاء وقت المكافأة ظهر –الأدميرال كولومبوس – على حقيقته عندما أنكر على أحد الرجال السبق في رؤيته للأرض ونسب الأمر لنفسه بشهادة رجاله أصحاب السوابق كما ذكرنا سابقاً .

 ظن كولومبوس بعد المسافة الطويلة التي قطعها أنّه وصل جزراً تتبع اليابان في الشرق –أطلق عليها لاحقا اسم جزر الهند الغربية- وهي جزر الباهاماس وكوبا والكاريبي .  

 من هناك استطاع كولومبوس الحصول على الكثير من الذهب والعودة إلى إسبانيا منتصراً ، ليدبّ بعدها الطمع في نفوس حكّام إسبانيا  فيعودوا لتمويل رحلة ثانية وثالثة لاحقاً .

 الرحلات اللاحقة قضت بضرورة وجود احتكاك مباشر مع السكان الأصليين الّذين استقبلوا الوافدين الجدد بحفاوة لم يقابلها كولومبوس ورجاله باللّطف ذاته .

 لقد تحوّل كولومبوس ورجاله من رحّالة يقطعون البحار ويرسمون الخرائط ويرصدون النجوم إلى منقبين مهووسين عن الذهب.

 يبدو ان الأرض الجديدة لم تبخل على سكانيها بالذّهب وأنواع الجواهر النفيسة التي تزيّنت بها ملابسهم واسلحتهم ، بل حتى دُفِنت معهم بعد موتهم .

 التاريخ الرسمي الذّي يصوّر كولومبوس كبطل مغامر يكتشف البلدان البعيدة ، جانب الصواب تماماً عندما أغفل أو تغافل عن جرائمه بحق السكان الأصليين .

 استطاع كولومبوس إخضاع السّكان الأصليين بقوّة السلاح الّذي تفوّق على سلاح القبائل ، واستعبد الرجال ابتداء من عمر 14 عاماً، واجبرهم على التنقيب عن الذّهب ، وحدد كميّة محددة يسلّمها كل فرد شهرياً ، أما العقاب لمن خالف الأوامر فهو بتر الايدي وتعليق الضحيّة حتى يموت ببطء ، أو إطلاق الكلاب المدرّبة لتنهش لحمه وعظامه على مرأى من الجميع دون أي رحمة ٍ تُذكر .

 لم يقتصر الأمر على الرجال ، بل غزا رجال كولومبوس القرى الآمنة للسكان وقاموا باغتصاب النساء وترحيل عدد منهنّ كهدايا نفيسة إلى أوروبا .

 ما فعله كولومبوس كان البداية فقط لجرائم حربٍ توالت منذ لحظة الاكتشاف في العام 1492م، إلى العام 1890 –تخيّل عزيزي القارئ – أربعة قرون من التطهير والتزييف الممنهج للوقائع التي لم يصلك منها سوى –بطولات كولومبوس-! .

 ولعلّك تتساءل عزيزي القارئ إذا كانت ردّة فعل السّكان الأصليين إيجابية وودودة اتجاه القادمين الجدد ، والّذين ربما ما كانوا ليضنّوا عليهم بالأرض والكنوز فالخير وفير ، إذن ما هو المسوّغ الحقيقي لهذه الجرائم ؟

 يقول المؤرّخون أن كولومبوس الذي بدأ سلسلة الدّم التي استمرّت لأربعة قرون كان يعتقد- وهو الكاثوليكي المتعصّب – أن هؤلاء الناس ليسوا أصحاب أرواح بشرية كالبشر المتحضّرين ، بل إنّ أرواحهم أقرب ما تكون لأرواح الحيوانات .

 كما علّل البعض بنظرية ضرورة تفوّق العرق الأبيض ، فمن المعلوم أن سكان الامريكيتين الأصليين تباينت ألوانهم ما بين حمر البشرة حتى السمرة الشديدة ، وهو ما دعاهم  –أي السكان الأصليين –إلى وصف كولومبوس ورجاله –بذوي الوجوه الشاحبة – في إشارة إلى استهجانهم للون بشرتهم البيضاء .  

 كما ذهب البعض إلى أنّ وثنية هذه القبائل كانت سبباً في فنائها ، ذلك أن بعضها اعتبر الوافدين الجدد آلهةً مخلّصة فعبدوا قيادات الرحلات –أولئك المعجزين القادمين من البحر – .

 ويخرج رأي أخير متواضع للقول بأنّ السبب الرئيس لهذه الفظائع هو انتشار الإسلام بين قبائل الامريكيّتين ، وأن اكتشاف الأوروبيين لوجود مسلمين في الأرض الجديدة –وهم بالكاد استطاعوا التّخلّص منهم في إسبانيا – لهو صدمةٌ لم يملكوا إزاءها سوى تفجير حقدهم القديم في هؤلاء .

 نظرية لم تلق رواجاً على المستوى العربي ، بل كذّبها معظم الباحثين مدلّلين على تصريحاتهم بحجج تتفاوت في قوّتها .

 استشهاداً على صحة النظرية السابقة نجد كتاب “المسلمون في أمريكا : اختبار الحقائق ، للدكتور في علم الاجتماع في جامعة رايس كريج كونسيداين ، يؤكد كونسيداين في كتابه أن المسلمين قطعوا المحيط الأطلسي وصولاً إلى أمريكا قبل الأوروبيين وكولومبوس بقرون ، ودلّل على كلامه بمجموعة من الأدلّة الجغرافية والتاريخيّة والشواهد والعملات الإسلامية التي وُجٍدت في أمريكا والتي تؤكّد أسبقيّة المسلمين في الوصول إلى العالم الجديد ، واستند كونسيداين إلى مجموعة من الوثائق التاريخيّة التوثيقيّة لكل من العلّامة الإدريسي ، والمسعودي ، وابن القوطية وهو مؤرّخ أندلسيّ . كما أنّ تميّز المسلمين في رسم الخرائط ، ودقّة أدواتهم ، جعل لهم مجال السّبق واليد الطولى في مجال الكشوفات الجغرافية والرحلات البحرية عبر المحيطات .  

 ويرى بعض الباحثين أن الوجود الإسلامي في أمريكا تعزّز بشكل أكبر بعد خروجهم من الاندلس ، حيث بحث المهاجرون عن ديارهم  قسراً  عن بداية جديدة بعيداً عن منطقة الصراع .  

 يبدو مما سبق أن الصراع الدّامي الّذي قام في العالم الجديد ليس جديداً ، وإنّما كان انتقالاً جغرافيّاً للصراع الديني المسيحي الإسلامي ، الّذي انتهى شرقاً وغرباً بالقضاء على المسلمين ومصادرة ممتلاكاتهم وثرواتهم المادية منها والفكرية ، طامسين كل جميل لهذه الحضارة في تلك الأنحاء تمهيداً لمنهج ٍ فكري تنويريّ جديد .

 في ظل المعطيات السابقة نجد أن مجرّد المحاولة لتخيّل نمط من التعايش السلمي بين الوافدين الجدد والسكّان الأصليين بات مستحيلاً بعد الجرائم التي سبق ذكرها ، ولكن اعداد الوافدين بدأت بالازدياد ، وبازديادهم صارت الحاجة ملحّة لبناء مستعمرات سكنية وشقّ طرق ٍ وتأمين احتياجات السكان من الطعام والماء.

 تعدّدت الأسباب التي دفعت الناس للهجرة من أوروبا نحو العالم الجديد ، البعض منهم جاء منساقاً وراء طمعه بكنوز الأرض الجديدة وخيراتها آملاً بالثراء .

 وبعضهم هاجر هرباً من ظروف سياسية أو اقتصاديّة صعبة في موطنه الأصليّ ، كما وجد العديد من المجرمين وأصحاب الجرائم والقضايا الشائنة موطن قدم ٍ جديد إما لبداية جديدة ، أو بحثاً عن بيئة مفتوحة يمارسون فيها جرائمهم ، وكم كانت سعادة بلدانهم كبيرة في التّخلّص منهم .

 كما غامر بعض الأثرياء والتّجار بإيفاد رجال لهم طلباً لقدم السّبق في التجارة والأعمال .

 كما ترى عزيزي القارئ نحن على مشارف بناء عالم ٍ جديد ، حيث توافرت الأرض والسكان والثروات اللازمة للبناء ، لكن حتى تصبح المنظومة متكاملة فأنت تحتاج إلى المحرك الأكبر لكل ما سبق ألا وهو الأيدي العاملة .

 بالطبع وفد من أوروبا الكثير من الفقراء الحالمين بحياة مختلفة بعيداً أحياء أوروبا وأزقّتها الفقيرة ،حالهم –مع الأسف – لم يكن أفضل في الأراضي الجديدة ، إذ تم تسخيرهم للعمل في كل ما يتعلّق بالأعمال الصعبة كبناء المنازل ، وشق الطرق ، وفتح قنوات الماء ، وحماية المستعمرات الجديدة من هجمات القبائل ، ومع ذلك لم يكن الأمر كافياً كانت عجلة التّطور والبناء تتسارع بشكل كبير في أمريكا وكانت الحاجة للأيدي العاملة ملحّة ، ما جعل العمّال يستغلّون الوضع لطلب أجور أعلى ، إلا أن جشع الأثرياء حدا بهم للتفكير بطريقة أخرى لسدّ هذا النقص بالإضافة إلى تعزيز عجلة البناء ، ومن هنا اتّجهت الأنظار من جديد نحو إفريقيا .

 وللحديث بقيّة .   

المزيد
افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الأول … “الانتشار”

افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الأول ... "الانتشار" اعتادت كتب التاريخ المدرسي التي درسناها عبر مراحل Read more

إفريقيا المسلمة…. التي أجبرت على خلع حجابها الجزء الثاني “الكشوفات الجغرافية “

وقفنا عزيزي القارئ في المقال السابق عند حقيقة أن الإسلام دخل وسط إفريقيا وجنوبها ، عن طريق التجارة وهجرة القبائل Read more

افريقيا المسلمة التي أجبرت على خلع حجابها الجزء الثالث: الاندلس..إفريقيا … من جديد

تحدّثنا عزيزي القارئ في المقال السابق كيف كان لحركة الكشوفات الجغرافية الأثر البالغ في انفتاح الوسط والجنوب الإفريقي على العالم Read more

سوق القوانين البالية

تباينت الآراء حول العالم بعد القرار الذي أصدرته محكمة العدل العليا الامريكيّة والقاضي بحظر الإجهاض في الولايات الامريكيّة بعد مرور Read more