أزهار على حافة ثقب أسود

الفصل السابع: مروان، أزهار على حافة ثقب أسود

مروان

   خرج مروان من غرفة النّوم إلى بهو الجناح الكبير، دار بعينيه في المكان الّذي ازدحم بقطع أثاثٍ مميّزة ،تضفي على الصّالة فخامةً كقصور السلاطين ،استرعت انتباهه مرآة بيضاويّة الشكل ذات إطارٍ فضيّ على الجدار المقابل ، اتّجه نحوها متأمّلاً انعكاس صورته الواضح على صفحتها ،ثمّ أخذ يعدّل ياقة قميصه الأبيض، وتسريحة شعره البنيّ على عجل ، انعكست أمامه صورة الأريكة المخمليّة الحمراء القابعة خلفه، والتي احتضنت فاضل ودماءه بالأمس ، توجّه نحوها مستذكراً المشهد الأسوأ في أحداث الليلة الماضية ، عندما ظنّ أن صورة جسد فاضل المسجّى على الأريكة، ستكون آخر عهده بابن عمّه وأبيه الرّوحيّ ، تذكّر ضعفه وخوفه ، اجتاحه شعورٌ بالخزي ، ربما كان سيجد في حبه لفاضل وحرصه على حياته مسوّغاً لانهياره ، لولا قوة شمس ورباطة جأشها ،وتولّيها زمام الأمور بحنكة ٍ بارعة ،والّتي جعلته يبدو كطفلٍ خائفٍ يبحث عن ظهرٍ يتوارى خلف ظلّه .

  لا أدري كيف استطاعت فعل ذلك ، مذ عرفها وهي تلك الفتاة الهشّة ، الهائمة فوق دروب الحياة دون دليل ، العاجزة عن تدبّر نفسها مع أصغر مُعضلةٍ تطرأ بين ثنايا أيّامها، كان فاضل السّور المنيع الّذي حماها من تقلّبات الزّمن القاسية، لولا أياديه البيضاء الّتي امتدّت لانتشالها ، لظلّت قابعة في ظلام الوحدة والنّسيان

ولكن ها هي ودون سابق إنذار تنتفض كالعنقاء من بين الرّماد ، مشرقة ً ببهاءٍ ساحر من بين ألسنة اللّهب ، تفرد أجنحتها القويّة حولك لتحجب عنك شرور الحياة ، وتصبح درعك الحامي بدلاً من أن تكون فرخاً بزغبٍ ضعيف .

 اقترب نحو الأريكة متحسّساً سطحها ، باحثاً عن أثرٍ للدماء ولو صغيراً دون أن يجد ، هل قاموا بتبديل الأريكة بهذه السرعة ؟

  ربما قاموا بتنظيفها وحسب، تمتم بينه وبين نفسه : يا لها من خدمةٍ راقية ، حقّاً إنّه فندقٌ يستحقّ نجومه الخمس

انتبه على وقع طرقاتٍ سريعةٍ على الباب ، ما لبث أن فتحه أحد عناصر الشّرطة ليدخل رجلٌ أسمر ، متوسط الطّول في الثلاثينيّات من عمره ، شعره مصفّفٌ بعناية ، يسير بخطواتٍ محتشمةٍ بدت لعينيّ مروان الّتي لا تخطئ مصطنعةً ، أضف إلى ذلك كلّه تكشيرةَ وجهٍ مبتذلة بشكل مضحك،  كان يبدو كممثّلٍ يلعب دور شرطيّ ، لا شرطيّاً حقّاً .

 همس مروان لنفسه :يزعجني التّعامل مع الحمقى ، وإن كانوا بزيّ عسكريّ .

 وقف بهدوءٍ ونفاد صبرٍ يستقبل الشرطيّ ، الّذي سرعان ما اختفت تكشيرته المزيّفة تاركةً ابتسامةً بلهاء ، أثارت أعصاب مروان الّذي قال لنفسه مجدداً ، ها هي ذي ، لم يكن هناك داعٍ لإخفائها من البداية .

 –تحياتي ، معك النقيب أمين بوعزيز ، قسم شرطة أول الدّار البيضاء .

 –أهلاً سيادة النقيب ، معك مروا

 –مروان بن رويسي بالطبع ، أعلم هذا ،نحن نعرف كيف نجيد عملنا هنا  كما ترى يا سيد مروان .

  امتعض مروان بداخله دون أن يُظهر ذلك على تعابير وجهه، وبابتسامةٍ صفراء لا تخلو من خبث : بالطبع سيّدي أنتم حُماة الوطن ، وموطن أسراره .

 جلس النقيب على مقعدٍ مخمليّ منفرد مقابل الأريكة الكبيرة بحركةٍ لا مبالية، رفع ساقاً فوق الأخرى ، وأشعل سيجارةً  وسرعان ما دخل من خلفه شرطيّ برتبة أقلّ ، يحمل قلماً ودفتراً ، جلس على أحد المقاعد حول طاولةٍ صغيرة كانت بالجوار.

كما تعلم يا سيد مروان ، نحن هنا لأخذ أقوالك وأقوال السيّد فاضل وزوجته ، بالطبع هي إجراءاتٌ لاستكمال التحقيق عمّا حدث بالأمس .

ولكنّ وضع السيّد فاضل لا يسمح باستجوابه هذا اليوم ، وكان طبيبه الخاص قد نقل لكم رسالة بهذا الخصوص .

كان من الواضح أنّها أخبارٌ سريّة جداً ، حتى أن سيادة النقيب بنفسه وشخصيّاً لم يسمع بها بعد ، تمنّى مروان أن يقول له ذلك ، لكنّه لم يفعل .

ربّما ، أنا لم أراجع ملفّ القضية هذا الصّباح ، كنت في عجلة من أمري .

بخصوص الملفّ سيادة النقيب ، أعتقد أنّه مع المقدّم حكيم الإبراهيميّ ، هو من وقف على سير التحقيق البارحة ، ولديه كلّ المعلومات .

ارتبك النقيب أمين ، وتململ في جلسته كمن أصابته لسعةٌ وقال : صحيح ، المقدّم الإبراهيميّ مشغول هذا الصّباح بقضيّة أهمّ، ولذلك أرسلني أنا لاستكمال الإجراءات ، هل لديك مانع يا سيّد مروان؟ .

إطلاقاً سيادتك ، أنت على الرّحب والسّعة .

التفت النقيب إلى الشرطي الجالس قربه خلف الطاولة وقال : افتح الدّفتر يا ولدي ، امتثل الشرطيّ للأوامر وأخذ وضع الاستعداد مهيّئاً قلمه .

النقيب : ابدأ، في يوم كذا وتاريخه وساعته ، في فندق .. لا تنس كتابة اسم الفندق وموقعه يا ولدي .

الشرطيّ : حاضر سيّدي .

 قام مروان من مكانه، وسحب بطاقته الشخصيّة من جيبه وناولها للكاتب ، وعاد إلى حيث كان يجلس بهدوء .

يبدو أنّك معتادٌ على هذه الإجراءات يا سيّد مروان .

-“بنفاد صبر” أنا محامٍ ، كما أنـ ….

آه نعم ، أنت محامي عائلة السيّد فاضل ، وابن عمّه أيضاً ، عرفت هذه المعلومات من سكرتيرة الشركة الجميلة ، ماذا كان اسمها ؟

-“بغضبٍ مكبوت” نجوى  .

آه نعم نجوى ، تبدو موظّفة ذكيّة ، استمتعت كثيراً بالحديث معها .

بالتّأكيد ، بعضٌ مما عندكم سيادة النقيب .

شكراً لك ، في الحقيقة كانت صدمةً كبيرة ً لي أن أعلم اليوم فقط أنّك ابن عمّ السيّد فاضل .

عفواً . لماذا؟

لا شيء، لكن كما تعلم حياة السيّد فاضل في السنوات الأخيرة ، وارتباط اسمه بجريمة قتل ، وهو الفنّان الشّهير،  جعل أدقّ تفصيلٍ في حياته منشوراً على صفحات الجرائد ووسائل الإعلام ، وأنا كنت متابعاً جيّداً لقضيّته وأخباره، لا أدري كيف فاتتني هذه المعلومة؟! ، أكنت أنت محاميه الّذي أخرجه من ذلك المأزق ؟

 –في الحقيقة

 وفجأة وبدون سابق إنذار ، دخل المقدّم حكيم الإبراهيميّ مدخل البهو ، تنحنح بصوتٍ عالٍ ، ووقف خلف المقعد الذّي كان يجلس عليه النّقيب أمين ، وخاطبه بلهجة ٍ آمرة .

ما الّذي تفعله هنا أيّها النقيب بوعزيز ؟؟

انتفض النقيب أمين من جلسته ، والتفت بسرعة إلى حيث مصدر الصّوت ، مؤدّياً التّحية العسكريّة ، نعم سيّدي .

 كان يقف منتصباً دون حَراك ، وربما كاد مروان يقسم بينه وبين نفسه على أن كل شعره في جسد النقيب كانت تنتفض خوفاً .

لطالما اعتقدتُ أنك تصلح  كصحفيّ للقضايا الفنيّة ، لا للتحقيقات المُمِلّة التي نعمل عليها هنا ، مواهبك مهدورة ٌ يا بنيّ

اعتذر منك سيّدي ، علمتُ في القسم اليوم أنّك مصابٌ بوعكةٍ صحيّة، وربما ما كنت لتأتي ، لذا رأيت أن أريحك بالقيام بهذا التحقيق بدلاً عنك .

ونواياك طيّبة ٌ أيضاً –يسعل بشدّة- عد إلى القسم حالاً وإيّاك أن تتدخل فيما لا يعنيك مجدّداً .

حـ حاضر سيّدي –يخرج مهرولاً دون أن يلتفت إلى مروان الّذي أخذ يُطالع المشهد بمتعةٍ حقيقيّة

 توجّه المقدّم بعينيه نحو الكاتب الّذي كان هو الآخر واقفاً يؤدّي التّحية كما فعل سيّده النقيب المنسحب وسأله :

هل سجّلت ذلك الهراء الّذي تفوّه به ذلك الأحمق قبل قليل ؟؟

نـ نعم سيّدي .

عاد يسعل بشدّة واستدرك قائلاً : افتح محضراً جديداً ، ثمّ التفت نحو مروان بعد أن مسح أنفه وفمه من أثر السّعال وقال

أعتذر عن التأخير ، كما ترى بردٌ مفاجئ لم يكن بالحسبان .

أرجو لك السّلامة سيّدي ، نحن من يجب أن نعتذر عن الازعاج .

 جلس المقدّم حيث جلس النقيب سابقاً ، وفي هذه الأثناء رفع مروان سمّاعة الهاتف الّذي كان بقربه وطلب خدمة الغُرف ، التفت نحو المقدّم سائلاً : ماذا تحبّ أن تشرب سيّدي ؟

 –لا تزعج نفسك ، وإن كان ولا بدّ بعض الزنجبيل الساخن من فضلك

 –كأس زنجبيلٍ بالعسل ، وفنجانيّ قهوة ٍ من فضلك .

 –شكراً لك ، هلّا بدأنا ؟.

 –أنا مروان زين الّدين بن رويسي ، محامٍ، درستُ الحقوق في جامعة السوربون ، في الخامسة والثلاثين من العمر ، من مواليد الّدار البيضاء عام 1986م ، حالياً أعمل كمحامٍ لصالح مؤسسة الطّيف الأزرق ، وكذلك أنا المحامي الشّخصي للسيّد فاضل بن رويسي وابن عمه أيضاً .

 –جيد ، منذ متى وأنت تعمل مع السيّد فاضل ؟

 –منذ تخرّجت من الجامعة ، في الواقع أن لم أعمل سابقاً في ميادين أخرى ، فقد بدأت مسيرتي كمحامٍ لفاضل عندما كان  فنّاناً في فرنسا .

كنت محامياً لشخص ٍ بشهرته ، على الرّغم من أنّك مبتدئ ؟؟ يبدو أن السيّد فاضل يثق بك كثيراً .

في الحقيقة ، نعم ، أنا وفاضل كالأخوين تماماً ، وكنت سعيداً لثقته بي إلى هذا الحدّ .

وأنت من أخرجه من مأزق محاولة القتل والقضيّة الّتي أثيرت حوله منذ سنوات .

هذا صحيح ، الأمر كان توفيقاً إلهيّاً ، أضف إلى ذلك أن فاضل كان بريئاً .

من كان المسؤول المباشر حول تنظيم المؤتمر الّذي أقيم يوم أمس ؟

أنا كنتُ المسؤول المباشر عن كلّ شيء .

وماذا بخصوص تأمين الحفل ؟؟

الفندق أبدى استعداده لتأمين بعض المرافقة والحماية ، ولكن تعرف طبيعة الضيوف تحديداً هي الّتي استدعت التّنسيق مع شركة أمنيّة لتنظيم الحفل .

ولكن يبدو أن عدد أفراد الأمن لم يكن كافياً ، إذ أنّي لم أرَ في الفيديوهات التي رصدتها كاميرات الصحفيين أي حراسة شخصيّة للسيد فاضل أو زوجته .

 –فاضل ومريم لا يحبّان رجال المرافقة الأمنيّة ، وتمّ الاتفاق قبل الحفل على أن يبدو الأمر طبيعيّاً ، لذا فقد تمّ توزيع عناصر الحراسة عند المداخل الرئيسة ، كما أن بعض الضيوف كان لهم حراساتهم الخاصّة .

إذاً هل نستطيع القول أن عدم وجود حراسة شخصيّة للسيّد فاضل وزوجته ، كان بطلبٍ شخصيّ منهما ،أو من أحدهما؟

هذا صحيح ، وفي الحقيقة فاضل نادراً ما يستعين بالحراسة خلال تحرّكاته ، فهو لم يعد ذلك الفنّان الّذي يتصدّر وسائل الإعلام كما كان سابقاً .

ولكن على خلاف ذلك يا سيّد مروان ، أرى أنّ دخول فاضل بن رويسي إلى مجال الأعمال أحدث ضجّةً لا تقلّ عن تلك الّتي كانت له خلال سنين عمله كفنّان .

معك حق ، مؤسسة الطيف الأزرق مذ أسسها فاضل ، استطاعت أن تترك بصمة ًحقيقيّة واضحة في مجال الإنتاج الإعلاميّ والدّعاية على المستوى المحليّ والإقليميّ ، ولكن ذلك لم يغيّر من حياة فاضل الّتي تتّسم بالبساطة والبعد عن مظاهر التّكلّف الزائف .

هل هذا يعني أنّه يسير ببساطة هكذا في أيّ مكان يريده دون حراسة ؟؟

تقريباً نعم ، وعادة لا يخرج دون أن أكون أنا معه .

هل تمتلك مهارات دفاعيّة يا سيّد مروان ؟

صحيح ، كما أنّي أحمل مسدّساً مرخّصاً ، من نوع “ماب” عيار7 ملم .

لكنّك لم تستخدمه لتدافع عن فاضل البارحة! .

أظنّني لا أملك حسّاً أمنيّاً عالياً كافياً ، لم أتوقع ما حدث .

وماذا رأيت بالضبط ؟

كنت أقف أسفل المنصّة خلف فاضل ، أتحدّث إلى نجوى .

سكرتيرة الشركة الجميلة على ما أظنّ ؟؟

-“بامتعاض” صحيح ، لم ألتفت إلّا عندما سمعت صوت الرّصاصة الأولى ، رأيت مريم تدفع فاضل بعيداً عنها ،صعدت درج المنصّة الخليفي لأتداركه قبل وقوعه على الأرض ، بعدها سمعت صوت الطلقة الثانية ، كان فاضل قد أصيب ، سحبته باتّجاهي ونحو الأسفل ، بعدها كان هناك صوتٌ لرصاصتين أخريين ، لكنّي لم أر ما حدث ، وبصراحة ظننت أن مريم قد ماتت ، لأني شاهدتها مستلقية على ظهرها أسفل المنصّة عندما توقف كلّ شيء .

وبعد ذلك ؟؟

كان فاضل ما يزال مستيقظاً ، لم يكن آبهاً بما أصابه ، أحاط بنا رجال الآمن الّذين هرعوا إلينا حال سماعهم للرّصاص ، طلب منّي فاضل أن أهتمّ بمريم ، وأن أتركه للمرافقة ليعتنوا به.

لم أفهم ، لماذا طلب منك ذلك ؟؟

كان خائفاً على مريم ، وما كان ليثق بأحد ٍ غيري فيما يخصّ شؤونها .

هل رأيت الفاعل ، صف ما رأيت بالضبط ؟

كان يرتدي زيّ عمال الفندق ، عمّال المطبخ تحديداً ، لكنّه يضع قناعاً أسود على وجهه ، كان طويلاً ، ذا جسدٍ نحيل ، وله بشرةٍ بيضاء وفق ما لمحت من ساعده ، لم يطل الأمر كثيراً حتى اندسست وفاضل أسفل المنصّة ، ولم أره بعد ذلك .

ما طبيعة الضيوف الّذين تمّت دعوتهم إلى الحفل ، وهل كان بإمكان أيّ شخص أن يدخل دون بطاقة دعوة ؟؟

بحكم علاقات فاضل في سوق الإنتاج ، فقد شمل الحفل خليطاً من الفنّانين ، والإعلاميين ، والصّحفيين ، والكتّاب وغيرهم ممّن كانت لهم علاقة مباشرة بفاضل وعمل مؤسسته ، قمنا بتوجيه بطاقات دعوة محدّدة ، وكانت هناك قائمة للمدعوين ، إلا أنّ هذا لا يمنع من دخول متطفّلين تحت مسمّى إعلامي أو صحفيّ .

ألا تعتبر ذلك اختراقاً أمنيّاً ؟

أبداً ، قلت لك الامر متعلّقٌ بالضيوف أكثر من تعلّقه بحماية فاضل أو مريم ، ليس لدى  فاضل وزوجته شيء ليخافا منه ، كما أنّ الامر برمّته تجمّعٌ ثقافيّ ، وليس محفلاً سياسيّاً .

إلا أنّ إطلاق نار قد وقع ، ولولا ستر الله ، لكان أحدهما الآن ميتاً .

هذا صحيح .

إطلاق النّار استهدفهما كليهما ، برأيك أنت من كان منهما المستهدَف الحقيقيّ؟

لا يخطر ببالي أبداً أن يرغب شخصٌ ما بقتل فاضل .

وماذا عن زوجته مريم ؟

لا أدري ، لا أعتقد ذلك أيضاً ، فكّرت في الأمر طويلاً ، كلّ ما خرجت به هو احتمال أن يكون الأمر محاولةً لتهديد مريم للتّوقف عما تكتبه .

تعني أن تكون أعمال السيدة مريم سبباً في إثارة حنق إحدى الحكومات فقامت بمحاولة قتلها ؟؟

ربما ، إلا أنّ في الأمر الكثير من الثغرات .

 في هذه اللّحظة طرق الباب أحد عمّال الفندق ، ودخل يدفع أمامه عربة تقديم ٍ صغيرة ٍ فاخرة ، أخذ يحمل موجوداتها من زنجبيلٍ وقهوةٍ وماء ، وراح يوزّعها على الجالسين ، ويبدو أنّ كاتب الشرطة كان سعيداً أن شخصاً ما قد تذكّره بفنجانٍ من القهوةِ وكأسٍ من الماء .

 أخذ المقدّم رشفةً من كأس الزنجبيل الساخن المحلّى بالعسل ، مسح بها حنجرته ، وعاد ليعلّق على كلام مروان

الكثير من الثغرات ،أهمّها حماقة أن تقوم إحدى الجهات باستهداف مريم في حفل توقيع كتاب أمام مئات المدعوين وعشرات الصحفيين .

هذا ما فكّرت به تماماً .

إذاً أنت تستبعد فاضل من الاستهداف ، وترى في استهداف مريم من جهة ما أمام أعين الصحفيين عملاً أحمق ، وغير منطقي ، وماذا عنك أنت ؟؟

أنا ؟؟ ماذا عنّي ؟؟

بصفتك محامي الشركة ، ألا يمكن أن يكون الأمر برمّته تمثيليّة لرفع أسهم الشّركة ، ولفت الأنظار إلى كتابات مريم بن رويسي ؟؟ ألم تنصح فاضل بأمرٍ كهذا  ؟ أو ربّما طلب منك هو ذلك ؟؟

ما كان فاضل ليلجأ لمثل هذه الطرق الملتوية ؟ كما أنّنا لسنا بحاجة إلى ذلك ، الشركة في وضعٍ ممتاز .

وماذا عن كتب مريم ؟ هل وضعها ممتاز أيضاً ؟

لا تستطيع القول أنها ذات شهرة ذائعة .

لذلك قام زوجها بعقد حفل التوقيع الاسطوريّ هذا ليلفت نظر الصحافة والنّاس والكتّاب إلى ما تكتبه .

هذا غير صحيح ، لم يكن فاضل ليستغلّ نفوذه بهذه الطريقة .

ربّما ألحّت عليه زوجته من أجل ذلك .

بل كان هو من اقترح الأمر عليها ، أراد أن يسعدها وحسب ، لذلك طلب منّي تنظيم كل ما رأيته .

السيّد فاضل هو من ألحّ على زوجته كي تقبل أن ينظّم لها حفلاً لتوقيع كتابها ؟

هذا ما حدث فعلاً

سيد مروان ،لم تقل لي هل أنت متزوّج ؟؟

لا ، ولكن ما علاقة هذا فيما نقول؟

عاد ليرشف ثانية من كأس الزنجبيل واستكمل :ربما شخصٌ أعزب مثلك لا يستطيع أن يتصوّر ما يمكن للمرأة أن تفعله مع رجل ، وكيف يمكن أن تؤثّر عليه ليحقق لها رغباتها ،والّتي ستظهر في النهاية وكأنّها مفاجأة سارّة من ذلك الزّوج ، دون أن تعلم تلك المسكينة المتفاجئة بها .

أعتذر منك يا سيادة المقدّم ، أنت لا تعرف مريم بن رويسي ، إنّها ليست من هذا النّوع من النّساء،  هي لا تكتب من أجل الشهرة ، هي فقط تبحث عن نافذة نور ٍ لها في هذا العالم ، لذلك هي ليست بحاجة إلى مثل هذه الأساليب الوضيعة ، كما أنّها لا تتقن فنّ الكذب والتّزلف الّذي تصفه ،بل لم ستقوم بذلك ؟؟  حياة مريم مع فاضل أكثر رفاهاً مما تظنّ ، في بعض الأحيان هي لا تحتاج لأنّ تحلم بأيّ أمر لأنّه سيصبح واقعاً قبل أن تفكرّ فيه حلما ً .

مع إعجابي بكلّ ما قلته ، يبدو أن هناك خطبا ًما في العلاقة بين فاضل وزوجته ؟؟

عفوا؟؟ ماذا فهمت من كلامي ؟

أن السيّدة مريم تهرب بكتاباتها من واقعها إلى عالم ٍ مغاير .

أوترى في العوالم الّتي تكتب عنها مريم ، مكاناً يصلح لكي تهرب إليه ؟؟

أنا لم أقرأ كتبها .

مريم تكتب عن الحقيقة المجرّدة لهذا العالم ، عن عين الجحيم فيه ، توثّق التاريخ ، لا يهمها من يقرأ الآن ، تقول أنها تكتب من أجل المستقبل .

يبدو أنّك أحد متابعيها ومعجبي كتاباتها .

هذا صحيح .

عذراً منك سيّد مروان ،هل تربطك بالسيدة مريم علاقة ما ٌعدا عن كونها زوجة ابن عمّك ؟

إلام تلمّح حضرتك ؟؟

لا أعني أمراً بعينه ، إنّه مجرّد سؤال ، أعني بحكم الثّقة بينك وبين فاضل ، والّتي بالطّبع جعلتك أكثر قرباً من زوجته ، لا أدري، كرة الثلج الصغيرة تكبر كلّما تدحرجت علـ ….

سيادة المقدّم ، أنا لا أنكر وجود علاقة ، بل وعلاقة وثيقة بيني وبين مريم ، لكنّها ليست كما تتصوّر .

انتظر تصوّرك عن الأمر .

مريم ، هي مريم زين الدّين بن رويسي ، أختي غير الشقيقة .

ينظر العقيد إلى مروان نظرةً عميقة طويلة ، ليبتسم بعدها قائلاً : يبدو أن هناك الكثير من المعلومات الشيّقة الّتي فاتت النقيب أمين بوعزيز

 

المزيد
الفصل السادس: شمس، أزهار على حافة ثقب أسود
أزهار على حافة ثقب أسود

شمس   عشرات الخطوات تسير متسارعةً باتّجاهٍ واحد فوق صفحة الشارع الزّلقة المغطّاة بالطين الأحمر ، الضباب يلفّ المكان، والمطر ينهمر Read more

الفصل الخامس: مروان، أزهار على حافة ثقب أسود
الفصل الخامس

مروان كادت قدماي تزلّان أكثر من مرّة وأنا أصعد السلالم المغطّاة بالديباج الأحمر نحو الطابق الثاني ، بينما تتوسّد شمس Read more

الفصل الرابع : شمس، أزهار على حافة ثقب أسود
الفصل الرابع

شمس   تحت رعاية السيدة أنيسة مرزوقي رئيسة اتّحاد الكتّاب المغربيين ، والسيد فاضل بن رويسي رئيس مؤسسة "الطّيف الأزرق" Read more

الفصل الثالث: مروان ، أزهار على حافة ثقب أسود
أزهار 3

عادت به الذاكرة إلى عمر الثامنة ، تحديداً إلى الشارع الطيني غير المعبّد أمام منزله في أحد الاحياء الفقيرة في Read more