افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الأول … “الانتشار”

افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها
الجزء الأول … “الانتشار”
اعتادت كتب التاريخ المدرسي التي درسناها عبر مراحل تعليمنا المتوسطة منها والعليا ، على ذكر الحقبة الأكثر ازدهاراً في تاريخ الفتوحات الإسلامية ، تلك الدولة القوية التي بسطت نفوذها من الاندلس –اسبانيا اليوم – غرباً وحتى حدود الصين شرقاً ، دولة قوّة وعدل ونفوذ ، أرست قواعد العلم في مجالات الحياة كافة ، وفجّرت ثورة فكرية لا تزال نجد آثارها في حياتنا حتى اليوم
وكطفلٍ فضولي –وما فضول الطفل إلا بداية لعقل فيلسوف عزيزي القارئ – كنت أتأمل خارطة العالم دائماً متطلّعاً إلى الدول وتشكيلاتها الجغرافية ، حدودها ، وجيرانها ، أمعن النظر إلى قارة
أفريقيا لأكتشف أني لا أعلم عنها شيئا رغم قربها الشديد من دول العالم العربي مقارنة بالصين!!
لماذا لم تحدّثنا كتب التاريخ عن أفريقيا وفتوحاتها ؟!، هل يّعقل أننا وصلنا حدود الصين وفرنسا ونسينا أفريقيا؟؟
أليست إفريقيا موطأ قدم الإنسان الأول آدم عليه السلام وفقاً لأغلب التقديرات ؟ أليست القارة السوداء بلد النيل العظيم ومناجم الذهب والألماس!؟ لماذا نسينا او تناسينا ذكر إفريقيا في مجمل وتفاصيل حديثنا عن امتداد الإسلام والمسلمين على هذه البسيطة ؟؟
إن كنت تودّ إجابة حقيقية عزيزي القارئ فأنت بحاجة للانتقال معي عبر رحلة تاريخية ليست بالقصيرة .
دعنا نعد بالتاريخ إلى القرن السابع الميلادي ، حيث كان العالم في انتظار حدثٍ عظيم سيقلب موازين الرجال والبلاد ، مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلّم نبوّته وبعثته ، رسالة الإسلام التي أحدثت انقلاباً جذرياً في تاريخ الأمم والحضارات ، انتقل معها العرب انتقالاً دراماتيكيّاً من مجرد بضع قبائل متناحرة ، إلى دولة قوية تهدد حدود فارس والروم .
افريقيا في تلك الفترة كانت قبائل وممالك صغيرة ،قد تتسم بالبساطة والبدائية في العيش، تماماً كما شبه الجزيرة العربية ، ولكن لا ينقصها الثراء ،إلا أن ما جعل إفريقيا محط انظار في تلك الحقبة ليس الذهب او العاج ، بل تجارة أربح بكثير ، إنها تجارة العبيد .
قانون ذلك الزمان كان بسيطاً ” الأبيض يستعبد الأسود ” هكذا ببساطة ، ومن هنا كان الفكر العنصري القائم على التمييز العرقي في ذلك الوقت مسوّغاً منطقياً لاستعباد أهل إفريقيا وجلبهم عبيداً يباعون ويشترون عند سادة القبائل العربية كقريش وغيرها .
لكنّ الصدمة الفكرية المضادة التي جاء بها الإسلام والّتي لخّصها حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم ” لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ”
كانت خطابا واضحا وصريحا أسقط قانون الجاهلية القائم على العنصرية ، وقدّم امثلة حقيقيّة حيّة في تاريخنا حتّى اليوم عن أبطال مسلمين ،كان لهم من المنزلة في التاريخ المشرق ما لم يكن لأسيادهم البيض ، وما بلال بن رباح رضي الله عنه صاحب رسول الله ومؤذنه إلا غيضٌ من هذا الفيض الكبير .
كما مهّدت هجرة المسلمين إلى الحبشة الطريقة معبّدةً لانتشار الإسلام في وسط إفريقيا في وقت مبكر ،فقد ترك اختيار الرسول عليه السلام للنجاشي ملك الحبشة ملجاً للمسلمين لصفاته المعنوية وامتيازه بالعدل -دون الالتفات للونه- أثراً بالغاً في عامة سكان إفريقيا في ذلك الوقت،ما دفعهم إلى الاحتكاك بالعرب المسلمين ودخولهم الإسلام شيئاً فشيئاً
وبالعودة إلى الفتوحات فقد كانت مصر بوابة افريقيا الأولى التي فتحها المسلمون بقيادة عمرو بن العاص سنة 20هـ ، زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، تلاه عقبة بن نافع في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، الذي وصلت الفتوحات في عهده على طول الشمال الإفريقي حتى المحيط الأطلسي .
والحقيقة رغم أني لخصت فتح الشمال الإفريقي بسطور قليلة ، يجب ان تعلم عزيزي القارئ أن المسلمين وجدوا صعوبة حقيقية في نشر الإسلام في إفريقيا ، فكلما فتحها قائد سكنت له المدينة قليلا لتعود فتثور عليه ، فقبائل البرر-او ما يُعرف اليوم بالامازيغ- كانت تنقض عهدها مع المسلمين كثيرا ، وهذا النقض المتكرر كان سبباً في بناء عقبة بن نافع لمدينة القيروان لتكون حصنا للسلاح والعلم ، لتثبيت دعائم الإسلام في تلك المنطقة .

كما استمال القادة بعض رؤساء القبائل وأبنائهم من البرر وجعلوا لهم مناصب ومسؤوليات ، كتعيين موسى بن نصير لطارق بن زياد البربري قائدا في الجيش ليضمن دعم قبائل البرر في طريقه لفتح الاندلس .
ولوقوع الشمال الإفريقي ضمن نطاق ما يسمى “بالصحراء العربية الكبرى” فقد كان نزوح القبائل من الشمال إلى الجنوب طلباً للكلأ والماء العامل الأكبر في نشر الإسلام في وسط إفريقيا وجنوبها ،فكل مسلم في ذلك الوقت كان يرى في نفسه رسولا ويرى في رسالته واجباً أن ينشرها ما استطاع دون اتباع منهجيّة ، او اتخاذ مجلس أو زاوية .
ولذلك لم تكن الجيوش الإسلامية تٌسيّر إلى تلك المناطق ، بسبب عدم وجود أي موانع سياسية لانتشار الإسلام كما هو الحال في المناطق التي يسيطر عليها الروم .
إن غياب سلطة حقيقيّة قوية سياسيّة كانت او دينيّة جعل من إفريقيا باستثناء الشمال أرضاً رحبة ً ومرحّبة ً بالإسلام والمسلمين .
وللحديث بقيّة ….

المزيد
إفريقيا المسلمة…. التي أجبرت على خلع حجابها الجزء الثاني “الكشوفات الجغرافية “

وقفنا عزيزي القارئ في المقال السابق عند حقيقة أن الإسلام دخل وسط إفريقيا وجنوبها ، عن طريق التجارة وهجرة القبائل Read more

افريقيا المسلمة التي أجبرت على خلع حجابها الجزء الثالث: الاندلس..إفريقيا … من جديد

تحدّثنا عزيزي القارئ في المقال السابق كيف كان لحركة الكشوفات الجغرافية الأثر البالغ في انفتاح الوسط والجنوب الإفريقي على العالم Read more

سوق القوانين البالية

تباينت الآراء حول العالم بعد القرار الذي أصدرته محكمة العدل العليا الامريكيّة والقاضي بحظر الإجهاض في الولايات الامريكيّة بعد مرور Read more

افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الرابع ..عالمٌ جديد … وحربٌ دمويّة

وقفنا في المقال الأخير –عزيزي القارئ –عند حال الحضارات والأمم في التاريخ ، وقلنا أن أفول نجم ِحضارة ما ، Read more