إفريقيا المسلمة…. التي أجبرت على خلع حجابها الجزء الثاني “الكشوفات الجغرافية “

وقفنا عزيزي القارئ في المقال السابق عند حقيقة أن الإسلام دخل وسط إفريقيا وجنوبها ، عن طريق التجارة وهجرة القبائل طلباً للماء والكلأ ، ولم توجد سلطة دينية أو سياسة تمنع هذا الانتشار أو تحاربه .
استمرّ الأمر على هذا الحال في إفريقيا لقرون عديدة ،باستثناء الشمال الذي عرف العديد من الدويلات والصراعات والسلالات الحاكمة التي تأثرت قوةً وضعفاً بمركز الخلافة الإسلامية ، وقد استوطن الكثير من أبناء القبائل العربية في بلاد الشمال الإفريقي –أو ما عُرف لاحقاً بالمغرب العربي – واختلطوا مع أهلها الأصليين من الامازيغ ، وغيرهم من الأقليات الوافدة عبر البحر من أوروبا وتركيا وغيرها ، وشكّلوا خليطاً فرّقته الكثير من الاختلافات ،ووحّده الإسلام .
أما الوسط والجنوب الإفريقي فقد أدّى ازدهار حركة التجارة ، إلى تأسيس ممالك صغيرة في عدّة دول ، هذه الممالك كانت تعتمد النظام القبلي ، فحاكم القبيلة هو مدير شؤونها وراسم هويتها الدينيّة ، لذلك كان لرؤساء القبائل والممالك أثر كبير في نشر الإسلام ، حيث استقدموا علماء الدين من شمال إفريقيا لتعليم الناس ، وبنوا المساجد المتواضعة ، وعلّموا الناس القراءة والكتابة .
كما أنّ انتشار الإسلام وتوسّعه في مصر، معقل المسيحيين الأول في إفريقيا ، وسقوط الممالك القبطية ، أدّى إلى تعزيز مكانة الإسلام في إفريقيا ، فانتشر بسلاسة بعيداً عن الصراعات القائمة في الشمال .
ومع ذلك كان هناك العديد من القبائل والأفراد الذين آثروا البقاء على الديانة المسيحية التي سبق وان انتشرت هناك بفعل القرب الجغرافي من مصر القبطية ، ومنهم من بقي على معتقداته الوثنيّة –وإنك لا تهد من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء –
حالياً تقول الإحصاءات الحديثة أن 45%من سكان إفريقيا مسلمون ، و40 % مسيحيّون –ولهذه النسبة تفصيل لاحق – ، و15% أقليات دينية منها الوثنية واليهودية .
يُقال عزيزي القارئ أن رفرفة جناح فراشة في الصين ـ ربما تكون سبباً لحدوث إعصار في أمريكا ، وهو ما حدث مع إفريقيا .
اجتمع عاملان أساسيّان على قلب حياة المجتمع المسلم في إفريقيا رأساً على عقب :
الأول : ضعف المسلمين في الاندلس ، بعد اجتماع القشتاليين والأرغون بقيادة كل من الملكة ايزابيلا والملك فرناندو ، أدّى هذا التحالف إلى سقوط آخر معاقل المسلمين في الاندلس ” غرناطة عام 1492م ،وقتل أهلها او طردوا او أجبروا على تغيير دينهم في واحدة من أبشع فترات القمع الديني في التاريخ . عليك ان تتذكّر هذا التاريخ جيدا عزيزي القارئ .
أما العامل الثاني : فهو حركة الكشوفات الجغرافية التي شهدتها أوروبا ، والتي جاءت لعدّة أسباب أهمها ، الرغبة في التخلّص من النفوذ الإسلامي خاصة بعد سقوط الأندلس ، ثانيها حمّى الذّهب والفضة والبهارات والطمع ببضائع الشرق والرغبة في السيطرة على هذه الموارد عبر خطوط تجاريّة خاصة بعيداً عن النفوذ الإسلامي ، حفنة واحدة من بهارات الهند ، او قبضة من أوراق الشاي كانت تساوي ثروة في ذلك الوقت ، وما كنت تجدها إلى في قصور النبلاء ، اما بالنّسبة للعامة فقد كانت محض أساطير، اعتادّ التجار على تأليفها عن أمكان لم تكن موجودة بالفعل !
ولهذا كانت الكشوفات الجغرافية جزءاً مهمّاً خلال فترة نهضة علميّة وثقافية كبيرة شهدتها أوروبا والتي اعتمدت فيها على علوم المسلمين وخرائطهم وادواتهم .
وبالطبع قشتالة التي تفتخر بانها من قضت على الوجود الإسلامي في الاندلس ،ستكون في طليعة الرّكب للبحث عن أراضٍ جديدة وثروات تنقذ أوروبا من حالة جمود اقتصادية كانت تعيشها آنذاك ،فتقوم بتجهيز حملة بحرية لاستكشاف طريق جديدة إلى الهند عن طريق الالتفاف جنوباً حول افريقيا .
ومع ان هذه الرحلة عزيزي القارئ قد أخطات هدفها الحقيقي ، إلا أنّها كانت جناح الفراشة الذي أشعل النار في إفريقيا منذ ذلك الحين حتى هذه اللحظة .
كلنا نعرف ان كولمبوس لم يصل الهند في تلك الرحلة ،معطيات الخرائط الاوروبيّة في ذلك الوقت جعلته يبحر غرباً اكثر مما يجب حتى اصطدم بارض جديدة انت تعرفها الآن باسم أمريكا .
انشغل العالم طويلاً بالاكتشاف الجديد – على حدّ تعبير الأوروبيين – ، واستمرّت الكشوفات ليتمكّن البرتغالي فاسكو دي غاما 1497- أي بعد سنوات قليلة فقط على رحلة كولمبوس-من الإلتفاف حول رأس الرجاء الصالح والوصول عبر بحر العرب إلى الهند ، وهو ما لم يكن ليحدث لولا البحّار العربي المسلم ابن ماجد الذي رسم الطريق ل دي غاما وأعطاه اسطرلاباً دقيقاً لا يشبه ما كان يحمله ، والأهم أنّه زوّده بالإبرة المغناطيسيّة “البوصلة ” وهي اختراع لم تكن تعلم عنه اوروبا شيئاً بعد .
أسهمت رحلة دي غاما إلى فتح طريق جديدة ليس إلى الهند وحسب ، بل وإلى إفريقيا التي باتت شواطئها الجنوبية موانئ لسفن من كل بلاد العالم ، هو فتح قاد لاحقاً إلى قرون طويلة من الاستعمار والتمييز العنصري في القارة السوداء .
يتبع لاحقاً …

المزيد
افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الأول … “الانتشار”

افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الأول ... "الانتشار" اعتادت كتب التاريخ المدرسي التي درسناها عبر مراحل Read more

افريقيا المسلمة التي أجبرت على خلع حجابها الجزء الثالث: الاندلس..إفريقيا … من جديد

تحدّثنا عزيزي القارئ في المقال السابق كيف كان لحركة الكشوفات الجغرافية الأثر البالغ في انفتاح الوسط والجنوب الإفريقي على العالم Read more

سوق القوانين البالية

تباينت الآراء حول العالم بعد القرار الذي أصدرته محكمة العدل العليا الامريكيّة والقاضي بحظر الإجهاض في الولايات الامريكيّة بعد مرور Read more

افريقيا المسلمة .. التي أُجبرت على خلع حجابها الجزء الرابع ..عالمٌ جديد … وحربٌ دمويّة

وقفنا في المقال الأخير –عزيزي القارئ –عند حال الحضارات والأمم في التاريخ ، وقلنا أن أفول نجم ِحضارة ما ، Read more