عزة الخيار الدموي

“غزّة”..الخيار الدّمويّ الأفضل للجميع

تركّزت أنظار المهتمّين بالشأن السياسي الفلسطيني في الأسبوع الأخير نحو الضّفة الغربية التي شَهِدت حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من النشطاء في الأحزاب السياسية ، كان أبرزها اعتقال القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ بسّام السّعدي الذي أثار اعتقاله ضجّة كبيرة في الضفّة وجنين تحديداً، ما دفع الاحتلال إلى إنزال صوره بعد اعتقاله للتأكيد على سلامته بعد توعدّ الفصائل في مخيم جنين بردّ مؤلم .
لكن ما حدث خلال اليومين الأخيرين من توجيه ضربة مفاجئة لقيادات عسكرية بارزة في قطاع غزّة وسقوط العديد من الشهداء والجرحى –رغم جهود الوساطة المصريّة –دفع أحد الصحفيين وعبر شاشة البث المباشر للتعبير بجرأة واضحة بلسانه ولسان حالنا جميعاً –ربما –لماذا غزة؟؟ الأنظار كلّها كانت نحو جنين والضفّة .. فلماذا غزّة الآن ؟؟
أصدقكم القول لم يكن السؤال صادماً بالنّسبة لي ، ولأكون صادقاً ، كنت أردده بيني وبين نفسي دون أن أجرؤ على مناقشة الأمر مع من حولي ،حتى عندما كان يأتي الأمر من غزّة أولاً أتساءل في استحياء لماذا الآن ؟ وليس البارحة؟؟ وعلى طريقة –أن أهل مكّة أدرى بشعابها- وهي مقولة اصطدمت بها كثيرا عند كنت أتبادل أطراف الحديث مع من يصنّفون أنفسهم بأنهم ناطقون باسم الحزب، كانت الجملة كافية لإنهاء أي نقاش يحاول تحليل الموقف وفهم دوافعه. يبدو أن جنسيّتي الفلسطينيّة لم تجعلني من أهل تلك الشِعاب بعد، ولكنّي أرى أنّ من حقّنا جميعاً أن نسأل لماذا غزّة؟
ولماذا الآن ؟؟
الدارس للشأن الفلسطيني يعلم تماماً أن الضّفة الغربية تتفوّق على قطاع غزة بالعديد من المزايا التي تجعل منها تهديداً أخطر للكيان الإسرائيلي من قطاع غزّة ، فمساحتها التي تشكّل 21% من مساحة فلسطين التاريخيّة وامتلاكها لاكبر خط حدودي مع دولة مجاورة هي الأردن ، واشتراكها كذلك مع ما يُسمّى الكيان بالمئات من الطرق الالتفافيّة ، بالإضافة إلى وجود العاصمة القدس البقعة المقدّسة المتنازع عليها أبداً ، وطبيعة أراضيها الجبليّة –باستثناء الاغوار- التي تجعل جيش الاحتلال عاجزاً على تغطية مفاصل المنطقة –ناهيك –أن يسيطر عليها ، يجعل من أي مشروع انتفاضة أو هبّة في الضفّة كابوساً حقيقيّاً –لإسرائيل- .
كل ما ذُكر سابقاً بإمكاننا اعتباره تحت السيطرة – نوعاً ما- في ظلّ وجود السلطة الفلسطينيّة المُقامة وفق بنود اتّفاقيّة أوسلو ، والتّنسيق المستمر مع دول الجوار ودول نافذة أخرى لضمان هدوء هذه المنطقة .
إذن السبب الاول أن استفزاز الضّفة ليس من مصلحة الامن الإسرائيليّ ، وانتفاضة عام 1987م و2000م كانتا خير دليل على نبضّ الضفّة وعنفوانها ،وقد شهد الجميع خلال العام الحالي 2022 كيف كانت عمليات شهر رمضان النوعيّة أشد على العدو من مئة صاروخ من صواريخ غزّة ، ونحن لا نقول هذا استهانة بالمقاومة في غزّة –لا سمح الله – إنما نحاول مقارنة الأثر الواقع على العدو .
السبب الثاني تقارب العلاقات بين الكيان والحكومات العربية بما بات يُعرف –بتطبيع العلاقات – علاقات الصداقة الطيّبة هذه مهددة عند أدنى احتكاك بين المقاومين والاحتلال ،ويصبح الامر أكثر صعوبة إن كان هذ الاحتكاك في الضّفة، وهو الامر الذي لا يسبب القلق للكيان الاسرائيليّ فحسب بل يوقع القيادة الفلسطينيّة في الحرج أيضا .
كما أن دول الجوار التي وقّعت معاهدات سلام مع الكيان –الأردن ومصر- والمكاسب التي ربما حصلت عليها إثر هذه الاتفاقيات تُعتبر مهددة بسبب الوضع الأمني المتقلقل في الضّفة تحديداً ، إضافة إلى خوف هذه الدول على سلامة أراضيها وانظمتها في حال اضطرت للانجرار في دوامة الازمة الفلسطينيّة ، وقد نجحت سياسة العصا والجزرة في تطويق قطاع غزّة وتقليص مخاطره نسبيّاً عبر خنقه من خلال النظام المصري المتاخم له في الحدود تارةً ، ودعمه من قِبل الرفيق القطري بالأموال لضمان عدم انهيار منظومة اجتماعية متهالكة في قطاع غزّة تارة أخرى لتجنّب الأسوأ .
السبب الثالث سببٌ بيروقراطي فحكومة الضّفة الغربية هي حكومة مؤسسات شركة تقوم بإدارة مساحة محددة من الأرض ، وبالطبع هذه الشركة لها رئيس مجلس إدارة ومدراء وموظفون في العلاقات العامّة والأمن هؤلاء جميعاً بالإضافة إلى أصحاب رؤوس الأموال والمنتفعين من استقطاب الشركات متعددة الجنسيات حصلوا على امتيازات خاصة مالية وإدارية وامتدّ لهم نفوذ حتى باتوا يشكّلون طبقة خاصة بعيدة كلّ البعد عمّا يعانيه المجتمع الفلسطيني الذي يرزح جزء كبير منه تحت الفقر وجور الاحتلال بشكل مباشر ويومي .
ناهيك عن آلاف العمّال الفلسطينيين الذّين يعملون في الداخل المحتلّ ، والّذين بعملهم هذا لا يرفعون من المستوى المعيشي لسكّان الضّفة ويدفعون بالعجلة الاقتصادية فيها وحسب ، بل يخففون حملاً ثقيلاً عن كاهل السلطة الفلسطينيّة التي لم ولن تستطيع إيجاد فرص عمل توفّر الحياة الكريمة لهؤلاء العمّال ، الّذين أصبحت لقمة عيشهم معلّقة بالوضع الأمني وبالتالي لا يرغبون بتغيير الوضع القائم لاّنه ليس في مصلحتهم .
تتلاقى مصالح هذه الطبقة مع مصالح الاحتلال –مع كل أسف – والنتيجة لا نريد مقاومة في الضّفة مهما كان الثمن ، حتى لو كان الثمن السكوت عن مئات الاعتقالات شهرياً ، حتى لو كان الثمن مصادرة المزيد والمزيد من الأراضي لصالح إقامة المستوطنات ، حتى لو كان الثّمن السكون عن دم شهيد هنا وهناك ، حتى لو كان الثمن الاعتقالات السياسية واضطهاد حريّة الرأي في دولة تقبع تحت الاحتلال أضعف الإيمان فيها ان تقول “لا” في وجه ظالم ، حتى لو كان الثمن انتهاك ما يسمى –أراضي السيادة الفلسطينية ومناطق “أ”- ، حتى لو كان الثمن التبرّء من أبنائنا المقاومين ، حتى لو كان الثمن تدنيس الأقصى وساحاته من قِبل الجماعات المتطرّفة التي تمهّد للتقسيم الزماني والمكاني للبقعة المقدّسة .
من هنا يأتي الحلّ في تصدير الأزمة إلى غزّة فأهلها دعاة إرهاب في عيون العالم، ودعاة انقلاب في عيون الطبقة الحاكمة فما الضّير فيما أصابها ؟؟ لقد أصبحت غزّة لنا جميعاً الخيار الدّمويّ الأفضل، نقرؤها خبراً عاجلاً على التلفاز ، نثبّتها وشماً على صفحاتنا على الفيس بوك ، نهتف باسم أبطالها –من شان الله يا غزة يلّا- كلّما استصرخ الأقصى هِمم الرّجال ، ونسمعها لحناً وطنيّاً يهيّج أشجاننا فنذرف الدّمع الحزين
وإن سألتني عن لسان حال أهل غزّة أيّها القارئ العزيز فاعذرني أنا لا أملك الإجابة “فأهل غزّة أدرى بجراحاتها “

المزيد
سوق القوانين البالية

تباينت الآراء حول العالم بعد القرار الذي أصدرته محكمة العدل العليا الامريكيّة والقاضي بحظر الإجهاض في الولايات الامريكيّة بعد مرور Read more

مقايضة (شعر حر)

#_مُقايَضة الحِذاءُ الْمُتَّسِخْ هاتفي الْمكسور سيارتي المعطَّلَة والدَّواوينِ التي لم أقرَأها مُكَدَّسَةً في أركانِ منزلي... لا تَصْنَعُ الأشياءُ الْمُسْتَقرَّةُ حولي Read more

شائعات: دائمًا ما تقُومُ الأفعَى المُجْلْجِلَة بالتَّحْذِيرِ قبل الهُجُوم

مِمَّا يُعْتَقَدُ خطَأً فيما يَخُصُّ جِنْسَ الأفاعِي ذواتِ الأجراس أنَّها تقومُ بتحذِيرِ المُهاجِمِينَ أو المُقْتَرِبِينَ مِنها قبلَ مُهاجَمَتِهم ولَدْغِهِم عن Read more

اللؤلؤ والمرجان من سيرة خير الأنام ( تشويقة لسلسلة)

سلسلة اللؤلؤ والمرجان من سيرة خير الأنام (مقتطفات من كتابي القادم) كان ﷺ مضربًا للأمثال في مكارم الأخلاق: ... كان Read more